![]() |
| أساس النجاح المستدام: لماذا المبادئ أبقى من المكاسب المؤقتة | د. طاهر محمود |
أساس النجاح المستدام: لماذا المبادئ أبقى من المكاسب المؤقتة
في عالم يتسارع بخطى محمومة، يزداد الضغط لتحقيق نتائج فورية بشكل هائل. غالبًا ما يتم تقييمنا بناءً على أحدث مقاييسنا وتقاريرنا ربع السنوية وانتصاراتنا الأخيرة. هذا التركيز المستمر على "الآن" يمكن أن يخلق إغراءً قويًا لسلوك الطرق المختصرة، وتجاوز القواعد، وإعطاء الأولوية للمكاسب السريعة على المبادئ التأسيسية. ومع ذلك، فإن هذا النهج يمثل استراتيجية قصيرة النظر.
إن النجاح الحقيقي والمستدام لا يُبنى على سلسلة من الانتصارات المنفصلة والعابرة، بل هو نتاج التزام عميق وثابت بمجموعة أساسية من المعايير والمبادئ. إنه أشبه بالبناء على صخرة صلبة، لا على رمال متحركة. وكما تقول الحكمة الخالدة:
"الالتزام بالمعايير والمبادئ أهم من ملاحقة النتائج المؤقتة، فالنجاح المستدام يقوم على مبادئ راسخة وقواعد واضحة وعمل مستدام، لا على استثناءات فارغة أو تسهيلات مؤقتة أو مطالب مزيفة."
هذه الفلسفة ليست مجرد مثال أخلاقي، بل هي خطة عمل واقعية لتحقيق إنجازات دائمة في أي مجال.
سراب المكاسب السريعة
إن السعي وراء النتائج المؤقتة على حساب المبادئ الأساسية يشبه بناء منزل جميل على أساسات متصدعة. قد يبدو المنزل مثيرًا للإعجاب لبعض الوقت، ولكن مصيره الحتمي هو الانهيار. عندما نتجاوز الحدود — سواء في جودة المنتج، أو السلوك الأخلاقي، أو النزاهة الشخصية — قد نرى ارتفاعًا مؤقتًا في مؤشرات أدائنا. قد نبرم صفقة بشكل أسرع، أو نعزز الأرباح الفورية، أو نكتسب ميزة مؤقتة على منافسينا.
ولكن هذه الانتصارات غالبًا ما تكون جوفاء وتأتي بتكلفة باهظة على المدى الطويل، فهي تؤدي إلى تآكل ثقة العملاء، وتثبيط عزيمة الفرق، وتشويه السمعة. الشركة التي تضحي بالجودة من أجل السرعة ستُعرف في النهاية بعدم موثوقيتها. والقائد الذي يتنازل عن قيمه من أجل مكسب سريع سيفقد احترام أتباعه. في نهاية المطاف، الطرق المختصرة التي نسلكها تجعل رحلتنا أطول، وغالبًا ما تقودنا إلى مكان لم نرغب في الوصول إليه أبدًا.
صخرة المبادئ: بوصلتك الحقيقية
على النقيض من ذلك، يُبنى النجاح المستدام على أساس متين من المبادئ الواضحة وغير القابلة للتفاوض. تعمل هذه المبادئ كبوصلة توجه قراراتنا وأفعالنا، خاصة عند التعامل مع المواقف المعقدة أو المليئة بالتحديات. إنها "القواعد الواضحة" التي توفر الاتساق والقدرة على التنبؤ والموثوقية.
بالنسبة للمؤسسة، تتمثل هذه المبادئ في رسالتها ورؤيتها وقيمها. هي التي تحدد كيفية تعامل الموظفين مع العملاء، وكيف تطور الشركة منتجاتها، وكيف تنافس في السوق. وبالنسبة للفرد، فإنها تتمثل في الأخلاقيات الشخصية والمعايير المهنية التي تحدد هويته وما يؤمن به.
عندما تكون المبادئ هي الأساس، يصبح اتخاذ القرار أبسط وأكثر فعالية. لن تعود متأثرًا بالجاذبية العابرة لكل فرصة تأتي في طريقك. بدلاً من ذلك، ستقوم بترشيح الخيارات من خلال عدسة قيمك الأساسية. وهذا يخلق هوية علامة تجارية قوية، ويعزز ثقافة النزاهة، ويبني ثقة عميقة ودائمة مع أصحاب المصلحة — وهي العملة الحقيقية للنجاح طويل الأمد.
النجاح المستدام مقابل الانتصارات المؤقتة
من الضروري التمييز بين الانتصار المؤقت والنجاح المستدام. الانتصار المؤقت هو فوز لليوم، وغالبًا ما يتم تحقيقه من خلال تقديم تنازل سيكلفك غدًا. أما النجاح المستدام، فهو انتصار يبني زخمًا للمستقبل.
تأمل هذه الفروق:
| الانتصار المؤقت | النجاح المستدام |
| يركز على النتائج الفورية. | يركز على خلق قيمة طويلة الأمد. |
| يعتمد غالبًا على الطرق المختصرة والاستثناءات. | يُبنى على عمليات ومعايير متسقة. |
| يمكن أن يؤدي إلى تآكل الثقة والسمعة. | يبني ويعزز الثقة والسمعة. |
| هش ويصعب تكراره. | مرن ويخلق نموذجًا للانتصارات المستقبلية. |
النجاح الذي يدوم ليس مسألة حظ، بل هو مسألة تصميم. إنه نتيجة اتخاذ خيارات مبدئية باستمرار، حتى عندما يكون ذلك هو الطريق الأصعب.
خطر عبارة "هذه المرة فقط"
إن أكثر التهديدات خبثًا للأساس المبدئي هي "الاستثناءات" و "التسهيلات المؤقتة". فعبارة "هذه المرة فقط" هي واحدة من أخطر العبارات في قاموس أي محترف.
عندما نقوم بعمل استثناء لقاعدة أساسية، فإننا نرسل رسالة مفادها أن مبادئنا قابلة للتفاوض. وهذا يخلق حالة من عدم اليقين وعدم الاتساق، ويضعف الإطار ذاته الذي نحتاجه للبناء عليه. إذا كان يمكن تجاوز قاعدة واحدة، فلماذا لا يمكن تجاوز الأخرى؟ هذا المنحدر الزلق يمكن أن يؤدي بسرعة إلى ثقافة تصبح فيها المعايير بلا معنى ويصبح كل قرار اعتباطيًا.
القوة الحقيقية تكمن في الاتساق. تكمن في التمسك بالقواعد ليس فقط عندما يكون الأمر سهلاً، ولكن بشكل خاص عندما يكون صعبًا. هذا هو ما يميز المؤسسات العريقة والقادة المحترمين عن البقية. إنهم يدركون أن القواعد ليست موجودة لتقييدهم، بل لتوفير الهيكل المستقر الذي يمكن بناء الإنجازات العظيمة عليه.
ختامًا، إن السعي وراء النجاح هو ماراثون وليس سباقًا قصيرًا. وفي حين أن جاذبية النصر السريع يمكن أن تكون قوية، فإن الالتزام الثابت بمبادئنا هو الذي سيوصلنا إلى خط النهاية ويسمح لنا بمواصلة المسير.
اجعل قيمك هي دليلك، وليس الوعد الزائل بمكسب مؤقت. ابنِ مسيرتك المهنية، وشركتك، وإرثك على أساس من المعايير الواضحة والثابتة. على المدى الطويل، السمعة المبنية على النزاهة والموثوقية أثمن بكثير من أي جائزة قصيرة الأجل. ابنِ من أجل الاستدامة، وليس من أجل السرعة. ابنِ على المبادئ، وليس على الاستثناءات.
____________
