![]() |
| جريمة في حقّ الذات: عندما تضع قيمتك في ميزان الآخرين | د. طاهر محمود |
جريمة في حقّ الذات: عندما تضع قيمتك في ميزان الآخرين
في رحلة الحياة المعقدة، وأثناء سعي الإنسان لتحقيق ذاته وإثبات وجوده، قد يرتكب في حق نفسه ظلماً خفياً، لكنه الأشد إيلاماً. إنه ظلم من نوع خاص، لا يأتيك من عدو متربص، بل ينبع من أعماقك أنت. هذا الظلم، كما وصفه الحكماء، يأتي على مرحلتين، كل واحدة منهما تقود إلى الأخرى في حلقة مفرغة من ضياع الهوية وانعدام القيمة.
الظلم الأول: أن تجهل من أنت
إن معرفة النفس ليست ترفاً فكرياً، بل هي ضرورة وجودية. هي البوصلة التي توجه قراراتك، والدرع الذي يحمي كرامتك، والمرساة التي تثبتك في وجه عواصف آراء الآخرين وتقييماتهم.
الظلم الثاني: أن تسمح لمن يجهلك بتقديرك
هؤلاء الآخرون، مهما كانت نواياهم، يقيسونك بناءً على تجاربهم الخاصة، وتحيزاتهم، ومفاهيمهم المحدودة للنجاح والقيمة. قد يقيسونك بالمال، أو بالمنصب، أو بالمظهر، أو بمدى موافقتك لأهوائهم. وفي كل مرة تفعل ذلك، فأنت تسمح لهم باختزال محيطك الشاسع في كوب ماء صغير، وتقليم أجنحتك التي خُلقت للتحليق.
بحرٌ يطلب الماء من صحراء
قيمتك لغة خاصة بك وحدك، حروفها هي مبادئك، وكلماتها هي إنجازاتك الصغيرة والكبيرة، وجُملها هي الأثر الذي تتركه في الحياة. فكيف تتوقع من شخص لا يجيد قراءة هذه اللغة أن يمنحك تقييماً عادلاً؟ سيكون حكمه مجرد ضوضاء تشوش على صوت الحقيقة الساكن في داخلك.
كن أنت الميزان
إن الخروج من دائرة الظلم هذه يبدأ بقرار حاسم: أن تستعيد حقك في أن تكون أنت الميزان، وأنت المُقيِّم. رحلة استكشاف الذات هي المغامرة الأهم التي ستخوضها. اسأل نفسك: ما الذي يهمك حقاً؟ ما هي مبادئك التي لا تقبل المساومة؟ ما الذي يجعلك تشعر بالحياة؟
عندما تبدأ في الإجابة على هذه الأسئلة، ستكتشف أن قيمتك لا تحتاج إلى مصادقة خارجية. إنها حقيقة متأصلة في وجودك. توقف عن تسول التقدير من صحراء الآخرين، وارتوِ من محيط ذاتك. ففي أعماقك يكمن كل التقدير الذي تحتاج إليه.
____________
