![]() |
| الردع النووي: دراسة مقارنة بين أوكرانيا وباكستان |
الردع النووي: دراسة مقارنة
بين أوكرانيا وباكستان
في عام 1994، تخلت أوكرانيا
عن ترسانتها النووية مقابل ضمانات أمنية ودفاعية من القوى العالمية. لاحقًا، بدأت
روسيا في ممارسة ضغوط على أوكرانيا بسبب ضعف قوّتها، مما تصاعد إلى الصراع الحالي
المستمر. يثير الاجتماع الأخير المثير للجدل بين الرئيس الأوكراني زيلينسكي
والرئيس الأمريكي ترامب في المكتب البيضاوي عدة تساؤلات هامة.
ما هي الضمانات التي دفعت
أوكرانيا إلى التخلي عن أسلحتها النووية، مما جعلها واثقة من قدرتها على الدفاع عن
نفسها ضد قوة كبرى مثل روسيا؟ حتى مع قدراتها النووية أو بدونها، هل كانت أوكرانيا
قادرة على الصمود في وجه العدوان الروسي؟ وإذا كانت أوكرانيا تفتقر إلى القدرة على
المقاومة، فلماذا سُمح للأمور بالتصاعد إلى هذه النقطة؟ على الرغم من أن روسيا لم
تستخدم أسلحة نووية أو غير تقليدية، فهل ألحقت أوكرانيا، على الرغم من المساعدات
الخارجية الكبيرة، أضرارًا بروسيا عبر الحرب التقليدية تضاهي ما تكبدته هي نفسها؟
تجري الحرب بالكامل على الأراضي الأوكرانية، مما أدى إلى فقدان العديد من المناطق،
ووفاة وإصابة الآلاف، وربما مئات الآلاف، من الجنود والمدنيين الأوكرانيين،
واقتصاد مدمر. إذا لم يتم التوصل إلى حل سلمي، فما هي نتيجة الحرب، وما الذي يحمله
المستقبل مع هذه المخاوف العديدة التى تنذر بدمار شامل؟ هل كانت روسيا ستغزو
أوكرانيا لو كانت لا تزال تمتلك أسلحة نووية؟ وإذا غزت روسيا، هل كانت الحرب
ستستمر لهذه المدة الطويلة؟ وإذا استمرت، هل كانت النتيجة ستكون مماثلة لما نشهده
اليوم؟
الجواب عن كل هذه الأسئلة هو
بالنفي القاطع. هنا، تتجلّى أهمية الردع النووي بوضوح تام. لنقم الآن بدراسة هذا
الجواب في سياق باكستان.
البرنامج النووي الباكستاني:
أسلحة من أجل السلام
عند تفحص باكستان في سياقها
الإقليمي، نلاحظ وجود نزاعات حدودية وغيرها من الخلافات المستمرة مع الدول
المجاورة، وخاصة الهند وإيران وأفغانستان. ومن الجدير بالذكر أن باكستان والهند قد
خاضتا أربع حروب كبرى. وفي عام 2019، تم تجنب صراع خامس محتمل بصعوبة، حيث تم
احتواء الموقف قبل المزيد من تصعيده. وتستمر الاستفزازات الحدودية الروتينية بشكل
يومي.
تتفوق الهند على باكستان
بشكل ملحوظ من حيث المساحة الأرضية، والسكان، والاقتصاد، والقدرات الحربية
التقليدية. قد تبرر الهند حاجتها لقوة أكبر بالإشارة إلى ضرورة مواجهة الصين. ومع
ذلك، فإن الواقع هو أن احتمالية عدوان هجومي من الهند تجاه قوة عالمية مثل الصين
ضئيلة؛ بل إن وضعها الدفاعي هو التفسير الأكثر منطقية. وباكستان هى الدولة الوحيدة
التى تواجه التهديد الرئيسي من هذه الديناميكية غير المتوازنة للقوى. ولردع هذا
التفاوت، تحتاج باكستان إلى أصول نووية. إن وجود باكستان، وبقائها، وسلامتها،
وسيادتها، ودفاعها، وتنميتها، تعتمد على برنامجها النووي.
علاوة على ذلك، تحتاج
باكستان إلى محطات طاقة نووية لتلبية احتياجاتها من الطاقة. وبدلاً من تحمل العبء
الاقتصادي الهائل لاستيراد النفط والغاز لتوليد الكهرباء، وتمرير هذا العبء إلى
مواطنيها، فإن باكستان تفضل بلا شك تلبية متطلباتها من الطاقة من خلال محطات
الطاقة النووية من وجهة نظر اقتصادية.
العقيدة النووية الباكستانية
تستند أسس العقيدة النووية
الباكستانية إلى الآية الكريمة التالية من القرآن الكريم:
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ
مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ
وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ
يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ
إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)} [الأنفال: 60].
القدرة النووية الباكستانية: تكليف
وأمر إلهي وضرورة وطنية
استنادًا إلى الآية الكريمة
المذكورة، فإن إعداد كافة أشكال القوة العسكرية، بما في ذلك الأصول النووية،
لتلبية احتياجاتنا الدفاعية هو أمر إلهي. وفي ضوء هذا التوجيه الرباني، فإن
اكتسابها فرض وواجب علينا، وصيانتها مسؤوليتنا، وتعزيزها المستمر هو حقنا الأساسي
كأمة، لا تملك أي قوة في العالم سلطة إنكاره. لذا، فمن الضروري التصدي لجميع
المؤامرات التي تحاك ضدها، إذ أن أي جهد ضدها يندرج تحت خانة مخالفة أمر الله،
والخيانة، وقصر النظر.
وإذا ما ساورت أي شخص محدود
الفهم مخاوف بشأن التكاليف الاقتصادية، فإن الله عز وجل، في هذه الآية نفسها، يجيب
عن هذا القلق، مبينًا أن أجر الأموال التي تُنفق في سبيله، في تنفيذ أوامره
والامتثال لها، سيُوفَّى لكم كاملاً، وأنتم لا تُظلمون. ويمكن ملاحظة ذلك عمليًا
من خلال صادرات باكستان الدفاعية، فبفضل الله، مؤسّساتنا الدفاعية ليست مكتفية
ذاتيًا في تلبية احتياجاتها فحسب، بل هي أيضًا مصدر للعملات الأجنبية الكبيرة
للبلاد من خلال الصادرات الدفاعية.
تشمل السمات الرئيسية للعقيدة
النووية الباكستانية ما يلي:
العقيدة النووية لباكستان ذات طبيعة دفاعية، مصممة لردع العدوان. تؤكد باكستان أن الأسلحة النووية لن تُستخدم إلا كملاذ أخير، في الحالات التي يكون فيها بقاء الدولة على المحك. تلعب العقيدة النووية لباكستان دورًا هامًا في الحفاظ على الاستقرار والسلام الإقليميين. وسماتها الرّئيسية تشمل ما يلي:
- الردع الأدنى الموثوق: تهدف باكستان إلى الحفاظ على ترسانة نووية دنيا كافية لردع الخصوم المحتملين.
- الردع الكامل الطيف: تحتفظ باكستان بطيف كامل من قدرات الردع، بما في ذلك أنظمة الإطلاق البرية والبحرية والجوية.
- غموض عدم البدء بالاستخدام: في حين أن باكستان لم تعلن رسميًا عن سياسة "عدم البدء بالاستخدام"، فإنها تؤكد أن الأسلحة النووية لن تُستخدم إلا كملاذ أخير.
- السلامة والأمن: تلتزم باكستان بضمان سلامة وأمن ترسانتها النووية.
خلاصة القول
خلاصة القول، أسلحتنا
النووية هي لأغراض دفاعية سلمية، متوافقة تمامًا مع القوانين الدولية. وهدفها ردع
العدوان من قبل العدو. وبفضل الله ومنّه، ووفقًا لتقارير المؤسّسات الدولية، فإن
البرنامج النووي الباكستاني هو من بين أكثر البرامج النووية تقدمًا في العالم،
ملتزمًا تمامًا بأشد بروتوكولات السلامة والأمن العالمية صرامة، ومستوفيًا لجميع
المعايير الدولية على أكمل وجه. لا نستطيع أن نعبر عن مدى امتناننا لله على ذلك.
اللهم زدنا قوة وعزة، واجزِ خير الجزاء كل من ساهم في هذا البرنامج بأي شكل من
الأشكال، وفقًا لجلالك وعظيم سلطانك. آمين.
